'وبقيت امي'

طلعت الشمس علي ذلك الشارع الضيق في احدي احياء قاهره المعز و كان يوم كمثله من الايام ..
يفتح صبي القهوه ابوابها و يبدأ برش الماء امامها ثم يفتح الراديو الترانزستور فيملأ صوت كوكب الشرق القهوه..
 و يجلس المعلم داخل القهوه يقرأ الجورنال كعادته كل صباح

.. 
يجلس رجل كبير في مكانه الذي اعتاد الجلوس فيه وقد انحني ظهره و يظهر علي وجهه علامات الكِبر.
 يمر عليه احمد ذلك الشاب الوسيم و هو في طريقه لكليته قائلا و هو يبتسم:
'صباح الخير يا حاج مختار، اول ما هرجع ان شاء الله هجبلك الاكل ،ماما النهارده هتعمل صينيه بطاطس هتاكل صوابعك وراها'
و يرد عليه الحاج مختار-كما يلقبوه-: ربنا يخليك و يخليهالك.

و داخل القهوه يسأل المعلم الصبي:
'طلعت كوبايه الشاي بلبن للحاج مختار؟'
-لا يا معلم هطلعها اهو..
و يهم باخذ كوب الشاي بالحليب و يذهب لمكان الحاج مختار،يضعها امامه قائلا:
صباح الفل يا حاج مختار،يلزمك اي خدمه؟ 
-ربنا يخليك يا بليه،سلامي للمعلم

لا احد يعرف عن هذا المختار شيئا سوي انه هذا الرجل المتهالك الذي ربما بلغ الثمانين من عمره 
هذا الرجل الجالس دائما في المكان الذي لا يغيّره  دائما الا ليصلي في المسجد القريب
الشيخ الذي يحبه الناس و يرسلون له الطعام و الشراب و لا ينتظرون منه مقابل..
الحاج مختار الذي لم يره احدا نائما من قبل،حتي احمد عندما تأخر يوما هو و عائلته في زفاف احد اقاربهم وجدوه جالسا كما يجدوه في منتصف النهار..
لا احد يعلم ما وراء كل تجعيده من وجه الحاج مختار 
لم يجرؤ احد ان يسأله هل له زوجه و عائله ام لا

لم يأتي في بال شخص منهم ان يسأله عن إن كان له وظيفه او معاشًا. 
لم يجلس معه احد يحادثه و لم يأت احد يومًا من خارج الحاره ليزوره 

لم يعلم هؤلاء انه لم يتعد الستين بعد..
لم يفكروا كم من هموم يحملها..
لم يسمع احدهم عن المثل الذي يقول 
'يظل المرء طفلا حتي تموت امه فاذا ماتت،شاخ فجأه' 

لم و لن يعلموا انه كان عاق لوالدته بعد ان مات ابوه و هو طفل..
وبعد ان عاشت له امه تركها بعد ان تزوج 
لم يسأل عنها قط،حتي خانته زوجته فطلقها و ذهب يجري لامه كما اعتاد ان يفعل ليعتذر لها و يبكي في جلبابها كما كان يفعل عندما يخطيء
 فلم يجدها 
وجدها قد ماتت حسرهً علي وحيدها الذي تركها.
صُدم هو في ذلك الوقت 
وقرر اعتزال الحياه من بعدها و ذهب الي حاره لا يعرفه فيها احد 
قرر ان يعيش بعيدا عن معاملات الناس و يمضي ما تبقي من حياته يدعو ربه ان يكفِّر له عما فعل.. 

ذهب الي هذه الحاره و بالرغم من قله معاملاته احبه الناس .. 
كان حريصا ان يجعل احمد يحسن معامله والدته فقد كان يري في كل شاب نفسه و هو صغير..
كان يحاول ان يحسن علاقته بكل من حوله كما كانت ترجو امه..

اراد ان يوصل لكل شاب و شيخ و طفله و ام و جد و حاج انه المرء من دون رضا امه لا شئ .. 
مهما كبر و ابيض شعره و انحني ظهره لن يشيخ حتي تموت امه.

امك لا تريد ان تكون احسن منك بل تريدك الافضل 
تريدك الاكثر تفوقا 
امك تدفعك 
امك تحملك و تقف بجانبك و تعطيك ما لا شخص اعطاك ولا سيعطيك.

سيأتي يوما ستنشغل و تعمل و وقتك يضيق
لا تنسي من أفنت عمرها لك.

'مرضت،فنام الجميع و بقيت امي' 
'من يملك امًا يراها كل صباح و مساء لا يحق له ان يتحدث عن الحزن'

اللهم لك الحمد

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ذكريات

سيب حاجة حلوة

حاجات صغيرة